• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قواعد تربوية لروابط صحّية مع العائلة

قواعد تربوية لروابط صحّية مع العائلة

هل أمضيت وقتاً في حديقة ترتادها العائلات؟ راقب ما يحدث، قد ترى والداً يطلب من طفله القيام بأمر ما مراراً وتكراراً دون جدوى، أو طفلاً يصرخ مطالباً بالحلوى، كلّها مشاكل يومية يواجهها الآباء مع أطفالهم والسبب؟ روابط غير صحّية!

لقد وجدت طبيعة الفضول في نفوس الأطفال منذ صغرهم فهذا أمر طبيعي، تجدهم يحاولون تحدي القوانين واكتشاف كلّ جديد، وعلى الآباء والأُمّهات أن يكونوا صبورين ومرنين في تربية أطفالهم والتعامل معهم ومحاولة ضبطهم.

الحدود تصنع الانضباط، والأخير ضروري في كلّ بيت، إذ إنّ الهدف من الانضباط هو مساعدة الأطفال على اختيار السلوكيات المقبولة وتعلّم ضبط النفس، لينمو كيانهم بطريقة صحّية وليصبحوا بالغين مسؤولين. لذلك إنّ وضع قواعد واضحة للمنزل يساعد الأطفال على فهم توقعات الأهل وتطوير ضبط النفس.

تعريف الحدود في العلاقة بين الأطفال والآباء

هي الخطّ الذي يرسمه الوالدان بينهما وبين طفلهما أو أطفالهما في العائلة، ويحددان من خلاله  صلاحيات وحدود كلّ من الطرفين المبنية على الاتصال والتواصل الواضح.

قد تكون الحدود التي يضعها الوالدان لينة مفككة أو متزمتة وغير مرنة، وفي الحالتين فالعلاقة التي أنشأها الوالدان غير صحّية، ففي حال كانت هذه الحدود: رخوة جدّاً، ستنتقل السلطة إلى يد الأطفال فتنقلب الأدوار ليتحكموا بالمنزل وتعم الفوضى في العائلة.

متزمتة جدّاً وغير مرنة، فستبقى القوى الكاملة والتحكم في يدي الوالدين ولكن في هذه الحالة فإنّ الحزم الشديد يولّد حالة من الضغط وانعدام التواصل بين الطرفين (الوالدين والطفل)، وبالتالي يلجأ الطفل إلى التمرد والعصيان والتصرّفات العدوانية المتولدة من الكتمان.

 

الحدود داخل العائلة معقّدة ومتغيرة باستمرار، نحن لا نريد حدوداً مفكّكة ولا حدوداً غير مرنة، وإنّما نسعى إلى الوسطية في إنشاء العلاقة الصحّية بين الطفل ووالديه، والتي تسمح بالتواصل الفعّال والمناسب وتشارك القوى بين كلا الطرفين.

كيف تُنشئ حدوداً صحّيةً مع أطفالك؟

1- ارسم حدودك: ما هي قيم عائلتك وما هي قواعد منزلك؟

إنّ الخطوة الأُولى هي أن يكون الوالدان واضحين مع أنفسهما بما يتعلق مع قيم وقواعد العائلة، فيجب أن يكونا واضحين في رسم حدود العائلة. يبدأ هذا من خلال معرفة أنفُسهما، وما هو النموذج الذي يقدمانه  للطفل من خلال تصرّفاتهما؟ وهنا سوف يظهر سؤالان يحتاجان لإجابة:

- ما هي أهم الأشياء في الحياة؟

- ما هي قيم عائلتك وما هي قواعد منزلك؟

كن واضحاً مع طفلك، ضع أوامر واضحة مثل: منع الضرب أو الركل أو مُناداة الأبوين بأسمائهم.

أوقات النوم الواضحة.

التصرّف الصحيح أثناء الغداء ووجبات الطعام.

ترتيب الغرف.

الوقت المسموح لمشاهدة التلفاز أو ألعاب الفيديو.

من المهم بالنسبة لطفلك أن يعلم من أنت وبماذا تؤمن، وذلك يعني أن توصل مبادئك الشخصية إلى طفلك وتلتزم بها أمامه، إذ يتبع الأطفال ويقلّدون ما يشاهدونه من آبائهم، الأمر الذي يترك أثراً أكثر من مجرد الكلام فقط، لذلك كن مثالاً جيِّداً لأبنائك!

2- أخبر طفلك ماذا تتوقع منه

يمكنك دائماً وضع قائمة بالقيم التي تهمك والتي تتوقع من طفلك أن يحترمها. مثلاً، إذا كانت أحد هذه المبادئ هي "الاحترام" أعلم طفلك بذلك، فإنّ استمر طفلك بمعاملتك بعدم تهذيب ومناداتك باسمك، أعلمه بالعواقب التي سيتعرّض لها في حال استمر بهذا التصرّف. اجعله يرى أنّك تحترم شخصك وبالتالي هو سيحترمك أيضاً. بهذه الطريقة أنتَ لا تفرض عليه أن يحترمك بالقوّة، بل تترك له حرّية الاختيار ولكنّه سيكون مسؤولاً عن نتيجة قراره وسيحاسب عنه.

عندما تضع حدوداً معينة عليك أن تنحني إلى مستوى طفلك، لتنظر إليه في عينيه وتقول له ببساطة وهدوء ماذا تتوقع منه. بهذه الطريقة أنت واضح تماماً في رسالتك ليستقبلها طفلك. على سبيل المثال، قبل الدخول إلى المتجر، اشرح لطفلك أنّك ستدخل المتجر لشراء "الساندويتش" لأنّك جائع، ولن تشتري الحلوى، وإذا أحسن التصرّف في المتجر ستكافئه بنزهة في الحديقة. كن حازماً ولا تشتري له الحلوى حتى وإن أصر على ذلك، قل "لا" بهدوء وحاول تغيير الموضوع في كلّ مرّة.

3- العقاب: دع طفلك يختبر عواقب تعدي الحدود

اجعلوا أطفالكم يجربون أثر خرق القوانين والتعدي عليها. إن كنت قد خرقت القانون بدورك، اعترف بذلك واعتذر لهم وتحمل عواقب فعلتك كوالد، واجعل طفلك يفعل المثل، فإذا تعدى على القوانين اجعله يعترف بخطئه وحاسبه على فعلته بتحمل العواقب.

أساليب العقاب

تختلف أساليب العقاب من عائلة إلى أخرى فمنهم مَن يتبعون أسلوب التحذير أو "المهلة" وزاوية المشاغبين أو فقدان الامتيازات. على سبيل المثال، لنفرض أنّك وعدت طفلك بأن تصطحبه إلى السينما عندما ينتهي من تأدية واجباته المدرسية ولكنّه اختار أن يلعب بألعاب الفيديو بدلاً عن أداء واجباته. في هذه الحالة يجب عليك أن تختار عدم اصطحابه إلى السينما كعقاب على فعلته، حينها سيشعر الطفل بعواقب تصرّفاته وسيُدرك أنّك جدي في كلامك وتعني ما تقول، عندها سيحترم الاتفاق الذي بينكما ويلتزم به.

أحد الأخطاء الشائعة التي يقوم بها الآباء هي عدم متابعة الطفل ومحاسبته إن أخطأ مراراً. لا يمكنك تأديب الأطفال بالتحدث إليهم مرّة واحدة وتجاهل ذلك في اليوم التالي. كن ثابتاً على مبدئك حتى يتعلّم الطفل منك.

4- كافئ طفلك

اجعلوا أطفالكم يجرّبون متعة الالتزام بالقوانين أيضاً. إنّ تحقيق الانضباط لا ينطبق على تطبيق العقاب فقط، بل إنّ الطريقة المُثلى للوصول إلى قلب الطفل هي عن طريق ملاحظة تصرّفاته الجيِّدة والإشادة بها. على سبيل المثال، قل لطفلك: "أنا فخور بك لأنّك شاركت ألعابك مع أصدقائك!" هذه العبارات محفزة للطفل لأداء واجباته.

كن كريماً في تحفيز طفلك، "لقد رتبت سريرك من دون حتى أن أطلب منك. إنّك شخص رائع!" هذه العبارات تكون فعّالة أكثر من فكرة العقاب نفسها! اصنع طريقك إلى قلبه بمدحه على تصرّفاته الجيِّدة كلّ يوم.

5- الاتصال والتواصل

لا تتوقع من أطفالك أن يلتزموا بالنظام فقط لأنّك والدهم. بل يحتاجون ويستحقون تفسيراً مثلهم مثل البالغين.

إذا لم تفسّر سبب طلبك، سوف يشكُ الأطفال بالقيم والمبادئ التي تحثهم عليها وتعتمدها. الآباء الذين يتبعون أسلوب الشرح مع أطفالهم يعمقون الفكر لديهم ويجعلهم مقتنعين بأهمية هذه القوانين.

فليكن تفسيرك واضحاً، إذا كانت هنالك مشكلة، اشرحها. عبّر عن مشاعرك وادعو أطفالك للمشاركة في البحث عن حل لهذه المشكلة. وكن واضحاً في عرض العواقب أمام أطفالك أيضاً. قدّم بعض المقترحات والخيارات، وكن منفتحاً لاقتراحاتهم كذلك. كن قابلاً للمفاوضة واستمع لهم، فالأطفال الذين يساهمون في اتّخاذ القرارات المشتركة يتحفزون للالتزام بهذه القرارات.

علاقة صحّية أمام الأطفال ومعهم

لنواجه الحقيقة، الأطفال دائماً ما يحاولون تجاوز الحدود والتعدّي عليها فهذا الأمر في طبيعتهم. حتى الآباء قد يتجاوزون هذه الحدود التي وضعوها لأنفُسهم. إنّ الوالدين وجه للحبّ والانضباط أيضاً وعليهما أن يحافظا على هذا التوازن من خلال: تحديد المبادئ والمسؤوليات، المحافظة على دورهما كوالدين وألا يتخطيا الحدود الموضوعة. وهنا نستعرض لكم بعض الأمثلة لعلاقة صحّية أمام الأطفال ومعهم:

* لا تشارك أطفالك الأحاديث التي يتم تداولها في دائرة الكبار، مثل مشاكل الأصدقاء والأقارب، ومشاكل العلاقات وغيرها.

* استمتع بالأنشطة المشتركة مع طفلك واللعب معهم، ولكن كن دائماً واعياً بألا تفقد سلطتك كوالد.

* اسمح لطفلك بالمشاركة بآرائه ومساهماته في نشاطات العائلة المختلفة عن طريق خلق جو من الأهداف العائلية المشتركة. وفي الوقت ذاته حافظ على موقعك كوالدة في اتّخاذ القرار النهائي.

* اعط طفلك الفرصة المناسبة والتي تتوافق مع عمره، ليبدأ باتّخاذ قراراته بنفسه ويبني مهاراته في ذلك تدريجياً خلال مرحلة الطفولة.

* الحفاظ على رابطة قوية تكللها المحبّة والتفاهم بين الوالدين، أمام الأطفال، ولا يجوز إقحام الأطفال في الخلافات والمشاكل بينهما.

* كن حازماً عندما يتطلب الأمر، إذ يحتاج الطفل إلى التأديب والانضباط، تمرن ومارس إستراتيجيات وطُرق مختلفة لتمنع سلوك الطفل عن الخروج عن السيطرة.

* لا تفرط وتتعسف في فرض القوانين على طفلك لضبطه، استخدم هذه القوانين باعتدال وبطريقة متماسكة متوازنة أحياناً ومرنة في أحيانٍ أُخرى.

العلاقة مع طفلك تبعاً لعمره

الفئة العمرية لطفلك تلعب دوراً كبيراً في تحديد طريقة تعاملك معه، فكلّما كبر الطفل، كلّما تغيرت متطلباته، فيضطر الوالدان للتجاوب مع هذا التغير واتباع نمط أُبوة وأُمّومة مختلف يتلاءم مع عمره، فالأسلوب الذي تتبعه في تربية طفلك الآن قد لا يكون فعّالاً بعد سنتين مثلاً.

إذا كان طفلك تحت سن الخامسة مثلاً، فالأمر متروك لك  تماماً لفرض بيئة وأنظمة بما يتعلّق بالأكل، النوم، واللعب. كما أنّ الطفل يحتاج لمراقبة وإشراف مستمرين حتى سن العاشرة.

أمّا المراهقون مثلاً، فدائماً ما يبحثون عن استقلاليتهم ليندمجوا مع أقرانهم، ولكن احرص  أن تكون موجوداً  لإرشاد طفلك وتشجيعه وضبطه عند الحاجة، امنحه مساحته الخاصّة كي يشعر باستقلاليته واحرص على اغتنام الفرص لخلق التواصل الفعّال بينكم، فمن المهم بالنسبة للطفل أن يرى كيف يمكن أن يصلح خطأً اقترفه بدلاً من سماع المحاضرات الطويلة، اجعل الانضباط عنده عادة وسلوك.

ارسال التعليق

Top